أكدت "دار الإفتاء" المصرية في ردها على ما أثاره علماء أزهريون بشأن بعض أسماء الله الحسنى على نحو ما اشتهرت به عند الناس، أن هناك اجتهادات قديمة من قبل العلماء في هذا الموضوع، لكن رواية الترمذي الشهيرة هي أرجحها، موضحة كذلك أنها لا تنحصر في التسعين والتسعين أسمًا المعروفة، وإنما تتجاوز ذلك دون تحديد.
واعتبرت، محاولات العلماء لتعيين التسعة والتسعين أسمًا، اجتهادات مقبولة، ويجوز للمسلم تقليد إحداها، لكنها مع ذلك رفضت التعصب لرأي معين، والحكم ببطلان ما عداه، كما ذهب العلماء الذين أنذروا شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي من أجل إلغاء 21 اسمًا من أسماء الله الحسنى، بدعوى عدم صحتها، وعدم جواز تسمية الله بها، واستبدالها بـ "الأسماء الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة".
وعلقت على الإنذار الذي وجهه الشيخ يوسف البدري ومجموعة أخرى من العلماء والدعاة، بقولها: "إنه لا ينبغي أن يعلن أحدهم (العلماء) أنه اكتشف خطأ الأمة في اختيارها حديث الترمذي، وأقصى ما يكون له أن يساهم بمساهمته كما فعل ابن حجر، والقرطبي، وغيرهما، فهو بذلك وقع في إلغاء ما عول عليه العلماء".
وفي إشارة إلى دعوتهم بإلغاء أسماء الله الحسنى مثار شكوكهم، عدت "دار الإفتاء" الأمر "كارثة أن يعمد المجتهد -إن كان مجتهدًا- لإلغاء ما قبله من أقوال، كما أنه ليس له أن يصور للناس أنه جاء بجديد، فقد سلك قبله ابن حجر والقرطبي وغيرهما هذا المسلك، فنسأل الله أن يرزقنا الفهم".
وكان الدكتور عبد الرازق الرضواني، وهو عالم مصري متخصص في العقيدة الإسلامية، انتهى في دراسة إلى عدم توافر الشروط التي حددها العلماء في 29 من أسماء الله الحسنى المشتهرة بين الناس، وهي: "الخافض الرافع المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبدئ المعيد المحي المميت الواجد الماجد الوالي المنتقم ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع المغني الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الرشيد الصبور".
من ناحيتها، أشارت "دار الإفتاء" إلى ما ذهب إليه جماهير العلماء من أن أسماء الله الحسنى لا تنحصر في العدد الوارد في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة"، وإنما هي أكثر من ذلك، وإن خالف بعض العلماء في ذلك كابن حزم الظاهري، حيث عد ذلك خطأ منهم.
وحصرت السبيل إلى معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى بطريق واحد هو الشرع، "فأسماء الله توقيفية"، إذ يقول الرازي: "أن مذهبنا أن أسماء الله تعالى توقيفية لا قياسية، فقوله أولاً: {اذْكُرُوا اللَّهَ} أمر بالذكر، وقوله ثانيًا: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} أمر لنا بأن نذكره سبحانه بالأسماء والصفات التي بينها لنا وأمرنا أن نذكره بها، لا بالأسماء التي نذكرها بحسب الرأي والقياس".
وحسب قولها، فإن هناك طرقًا ثلاثة في تعيين أسماء الله الحسنى، أولاها اعتماد المتفق عليه في حديث الترمذي من الأسماء المذكورة فيه، التي جاءت في القرآن وصحيح السنة، وثانيها محاولة تغيير بعض الأسماء، التي لم ترد أو وردت بأحاديث ضعيفة، وثالثها محاولة استخراج جميع الأسماء من القرآن الكريم.
ومما ورد على خلاف رواية الترمذي- الشهيرة عند العامة- ما ذكره ابن حزم، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن الغزالي: "لم أعرف أحدًا من العلماء اعتنى بطلب الأسماء وجمعها من الكتاب سوى رجل من حفاظ أهل المغرب يقال له: علي بن حزم، فإنه قال: صح عندي قريب من ثمانين اسمًا، اشتمل عليها الكتاب".
وعلق الغزالي على ذلك بقوله: "فليتطلب الباقي من الصحاح من الأخبار. وأظنه لم يبلغه الحديث الذي في عدد الأسماء، أو بلغه واستضعف إسناده".
في حين أكد ابن حجر أن "ما ذكره ابن حزم لم يقتصر فيه على ما في القرآن، بل ذكر ما اتفق له العثور عليه منه، وهو سبعة وستين اسمًا متوالية، كما نقلته عنه آخرها: الملك، والأخرى من الأحاديث".
وزاد ابن حجر عليه، اثنين وثلاثين اسمًا، هي: "المولى، النصير، الشهيد، الشديد، الحفي، الكفيل، الوكيل، الحسيب، الجامع، الرقيب، النور، البديع، الوارث، السريع، المقيت، الحفيظ، المحيط، القادر، الغافر، الغالب، الفاطر، العالم، القائم، المالك، الحافظ، المنتقم، المستعان، الحكم، الرفيع، الهادي، الكافي، ذو الجلال والإكرام"، وجميعها وردت واضحة في القرآن إلا "الحفي" فإنه في سورة مريم.
وانتهت "دار الإفتاء" إلى جواز اتباع أي السبل المذكورة في معرفة أسماء الله الحسنى، لكنها رجحت اعتماد ما ورد في حديث الترمذي؛ لأنها الرواية المشتهرة في أسماء الله الحسنى؛ ولأن كبار العلماء عولوا عليها في شرح أسماء الله الحسنى كأبي حامد الغزالي في كتابه "المقصد الأسنى" وغيره من العلماء.